أكد الدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار والمتاحف، أن السعودية لعبت دورا مهما في التواصل الحضاري عبر المراحل التاريخية المختلفة، وأنه لا يوجد شبر واحد في أرض السعودية يخلو من أثر إنساني وحضاري، مشيرا إلى أن التعريف بتراث المملكة بمكوناته المختلفة تجاوز الحيز المحلي والإقليمي إلى المستوى العالمي. وقال الغبان خلال محاضرة ألقاها الخميس الماضي في خميسية الجاسر في مدينة الرياض، وحضرها عدد من المختصين والمهتمين بقضايا التراث وعلماء التاريخ والآثار وأساتذة الجامعات في السعودية: إنه على الرغم من ثراء السعودية بكنوز حضارية ضاربة في القدم فإنها ظلت ولفترة قريبة لم تجد حظها من التعريف ليس على المستوى العالمي والإقليمي فحسب، بل على المستوى الوطني أيضا. وأشار إلى جهود الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة في إحياء التراث والمحافظة عليه والتعريف به على المستويات كافة، موضحا أنه تمكن وبفضل الله أولا ثم دعم دولتنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبد العزيز، من استنهاض الهمم الوطنية للحفاظ والعناية بالتراث الوطني، وأن يفتح عيون العالم على إرث المملكة الحضاري عبر برنامج وطني مدروس بمشاركة جميع المؤسسات الوطنية في القطاعين العام والخاص. وأضاف الغبان "بعد أن كنا حتى فترة ليست ببعيدة لا نقرأ بحثا عالميا واحدا ينقب في كنوز المملكة الحضارية، فإننا نشهد اليوم مئات البحوث والدراسات لعلماء ومختصين حول تراثنا، فضلا عن الجهود التي تبذلها الهيئة لتعزيز البعد الحضاري للمملكة عن طريق التواصل مع البعثات الدبلوماسية في المملكة، وتنفيذ حزمة من الأنشطة والبرامج التي تخدم قضايا التراث بمكوناته المختلفة من ندوات ومؤتمرات ومعارض".
وتابع نائب رئيس الهيئة قائلا: "ولا أدل على ذلك من نجاح معارض الآثار والتراث السعودية التي تجوب العالم"، لافتا إلى معرض روائع آثار السعودية عبر العصور الذي انطلق من فرنسا ثم إسبانيا وانتقل في محطته الثالثة إلى روسيا ثم ألمانيا، وحاليا في واشنطن، حيث شهد إقبالا كبيرا على كل المستويات، وزارة في المحطات الأوروبية الأربع أكثر من مليون ونصف المليون زائر. وقدم الدكتور الغبان خلال المحاضرة عرضا وافيا عن التراكم الثقافي والحضاري للمملكة عبر العصور التاريخية المختلفة، وقال: إن كثيرا من الدراسات الأثرية والاستكشافات العلمية المختلفة أكدت أن الجزيرة العربية هبة موقعها الاستراتيجي الذي جعل منها جسر تواصل بين دول العالم، ولعبت دورا مهما في تاريخ منطقة الشرق الأوسط. وأوضح أن الاستكشافات الأثرية أكدت أن الجزيرة العربية لم تكن قديما صحراء طاردة، بل كانت بيئة جاذبة تتوافر فيها جميع عوامل الاستقرار الإنساني، من مشرب ومأكل ومأوى، ما أهّلها لأن تكون موطنا لإنتاج الاحتياجات الإنسانية المختلفة، بينما كان الغرب مستهلكا لمنتجاتها، لافتا إلى أن القوافل التجارية العالمية كانت تمر بها في وقت كانت لا توجد فيه قناة السويس، وهو ما جعل الجزيرة العربية نقطة عبور حتمية وملتقى للحضارات الإنسانية المختلفة. وأكد نائب رئيس الهيئة أن الجزيرة العربية بهذه المقومات كانت أفضل البيئات لعيش الإنسان قبل التصحر الأخير، وأنها كانت تمثل حضارة متطورة في العصر الحجري الحديث، وأسهمت في انتقال ثقافته إلى أماكن متفرقة من العالم، واصفا عصر الممالك العربية بأنه يمثل حقبة ازدهار وثراء وتواصل إنساني فريد، مثل مملكة لحيان والأنباط وغيرها من الممالك العربية. وتطرق الدكتور الغبان في محاضرته إلى مدن القوافل التي أسماها عصب اقتصاد الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقال: "إن طرق التجارة البحرية لهذه القوافل لا تقل شأنا عن الطرق البرية". واعتبر أن فترة العصر الجاهلي كانت فترة حرجة في تاريخ الجزيرة العربية القديم، لما شهده هذا العصر من تدهور وركود في أوجه الحياة المختلفة، وقد استمر هذا الحال المتردي حتى جاء الإسلام ونزل في أرض الحضارات ليوظف التمازج الثقافي الإنساني في بناء حضارة رائدة، ويؤدي إلى نقلة حضارية جديدة لسكان الجزيرة العربية. ولفت إلى الدور الكبير الذي قامت به طرق الحج والتجارة منذ عصر صدر الإسلام الأول وتطورها في المراحل اللاحقة حتى يومنا. وخلص نائب رئيس الهيئة في محاضرته إلى أن السعودية التي تمثل قلب الجزيرة العربية بأبعادها الدينية والاقتصادية والثقافية، تتمتع ببعد حضاري عريق، خصوصا أن جميع الحضارات الإنسانية تقاطعت عليها، الأمر الذي أهّلها لأن تلعب دورا أصيلا في التواصل الحضاري الممتد عبر المراحل التاريخية المختلفة. واختتم الغبان محاضرته قائلا: لا يوجد في أرض السعودية شبر واحد يخلو من أثر إنساني وحضاري"، مشيرا إلى أن الهيئة لم تدخر وسعا في إبراز الموروث الوطني لهذه البلاد الطيبة، وستواصل جهودها في تعزيز البعد الحضاري للمملكة من خلال برامج التثقيف والتعريف بكنوزها الحضارية على المستويات كافة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق