11 فبراير 2013

علم الفيزياء وليس الأحياء .. لضرب السرطان!

أينشتاين الأب الروحي لعلم الفيزياء .. هل يعثر تلامذته على مفتاح اللغز ؟

دائما هناك منظور مختلف لكل شيء ..في القرن التاسع عشر كانت الكائنات الحية تعرف على أنها ماكينات .. زرعت في الحياة بواسطة القوى الحيوية .. مفهوم تجريدي غير تقليدي صادم ورياضي فيزيائي بحت .. ولكنه منطقي إلى حد كبير .. 

مرض السرطان هو تلك الخلايا التي لا تحترم أحداً ولا تقيم اعتباراً لأي علاج أو عملية جراحية ، مجموعة خلايا فجأة قررت أن تكون عدائية .. تنمو وتنقسم بلا حدود ثم تهجم على الأنسجة المجاورة وتبدأ عملية التدمير الضارية. 

وعلى طريقة الأفلام السينمائية .. يبدو أننا نبحث عن الكنز المفقود في الطريق الخطأ .. وأننا لم نقرأ المعطيات بالشكل السليم كي نحللها إلى نتائج وملاحظات مجدية .. فعلى الرغم من الملايين التي أنفقت على أبحاث مرض السرطان إلا أن المشكلة تعد واحدة من أكبر المشاكل التي هددت وتهدد الإنسانية في العالم ولاسيما في الدول النامية .. ولم تنجح كبرى المؤسسات البحثية حتى يومنا هذا في تطوير عقار فعال وآمن في الوقت نفسه. 

فائدة علاجية ضئيلة تكاد تكون معدومة ولا تحد من انتشار المرض في باقي أجزاء الجسم مع تقدم العمر .. وأرقام الوفيات في تزايد سنوياً ومازال العالم يقف عند مفترق الطرق .. لا يدري أي طريق يسلك ! 

إذا صرفنا أنظارنا تجاه الدول المهتمة بالبحث العلمي المتعلق بمرض السرطان سنجد أن دولة كالولايات المتحدة الأمريكية والتي تضم أرضها مجموعة من أكبر المراكز البحثية المتخصصة في العالم، سنجد أنها تواجه ما يعرف بـ "الهاوية المالية" نتيجة للنفقات الهائلة التي تستنزفها عدة جهات أهمها الرعاية الصحية ويأتي على رأس القائمة تكاليف علاج مرض السرطان. 

وعلى الرغم من أن علاج مرض السرطان يستنزف تكاليف سنوية باهظة .. يتميز الكثير منها بأنه ليس له ميزة أو تأثير على الإطلاق .. تبتلع الأبحاث على مرض السرطان المليارات سنويا، وعلى الرغم من ذلك مازال العالم أجمع يقف عند نفس النقطة .. تطور تشخيص الذي يتنبأ بمتوسط عمر المريض الذي انتشر المرض إلى أجزاء أخرى من جسمه بشكل طفيف على مدى عدة عقود.. مازال عملية العلاج تتسم بالعشوائية الشديدة ومازال يتسبب في ضرر لا مفر منه .. لم يتحقق أي انجاز في رحلة البحث عن علاج ثابت وعام وليس أكثر من هدف بعيد المنال كما كان دائما. 

وأدراك المعهد الوطني الأميركي للسرطان (NCI) المأزق .. فمن الواضح أن من يبحث .. يبحث في الطريق الخاطئ .. ولذا وقام بخطوة جريئة عام 2008 بتدارك الموقف وتبني وجهة نظر مختلفة من خلال الاستعانة برؤية علماء الرياضيات والفيزياء، والتي تختلف أساليبهم بشكل ملحوظ عن طرق علماء الأحياء. 

وهكذا بادر المعهد بإنشاء 12 مركزا للعلوم الفيزيائية والأورام تابع له .. وفي خلال أربع سنوات حقق اختلافاً يقربنا من الهدف المنشود وإن كان طريقة بلوغه مازالت غير واضحة بالشكل الكامل إلا أن التجربة يبدو أنها تؤتي ثماراً طازجة .. فعلى سبيل المثال .. كانت للرؤية الرياضية والفيزيائية أكبر الأثر في ملاحظة تغير خصائص مرونة الخلايا مع تطور مرض السرطان عبر مراحله المختلفة. 

الخلية الحية ولاسيما السرطانية بالغة التعقيد وتشتهر الخلية السرطانية بكونها غير متجانسة وينبغي أن ندرك أن ضيق الأفق سمة عامة للبحوث المختصة في دراية مرض السرطان والتي يركز فيها العلماء بشكل أساسي على المسارات الكيميائية أو التسلسل الجيني، وربما يكون اختزال مجهودات العلماء في عمليات متواصلة من البحث في تفاصيل مسار ونوع الخلايا السرطانية هو ما تسبب في استهلاك المليارات مع القليل من التقدم خلال سنوات طوال . 

بالإضافة إلى كون الخلايا أكياس حيوية من المواد الكيميائية ونظم معالجة للمعلومات، فهي أيضاً أشياء تتسم بكونها "مادية" ولها خصائص الجسيم المادي مثل الحجم والكتلة والشكل والمرونة والطاقة الحرة والجهد الكهربائي. 

يرى الفيزيائي " بول ديفيز" أننا قد نملك مفتاح اللغز الذي تهدد كل دقيقة في تأخر حلنا إياه حياة الملايين من البشر إذا نظرنا إلى الصورة من منظور مختلف .. منظور فيزيائي .. فالخلايا السرطانية تحتوي في نظامها على المضخات والرافعات، والبكرات وغيرها من الأدوات المألوفة لعلماء الفيزياء والمهندسين. وعلاوة على ذلك توصل العلماء إلى حقيقة أن الكثير من هذه الخصائص تتعرض لتغيير منهجي كلما تطورت خلايا السرطان في تطورها بالأورام الخبيثة. 

وعلى الرغم من كل الصفات المهينة التي اكتسبها مرض السرطان وخلاياه إلا أن السلوك الذي تتبعه خلاياه محدد جداً ونمطي .. وينتشر بواسطة حيث ينتقل من طوره الأولي إلى الطور الخبيث بواسطة الأوعية الدموية والتي تنتقل إليها من خلال بعض الفراغات بجدران الوعاء الدموي (شرايين وأوردة) وهي عملية فيزيائية تدور من خلالها في نظام الدم كله. 

تدور الخلايا إما منفردة في نظام الدم،أو في تجمعات تمسك بعضها البعض بواسطة الصفائح الدموية.. وخلال ذلك يغير الورم الخبيث شكل الخلايا وخصائصها الفيزيائية بشكل كبير.. ومن الجدير بالذكر أن الخلايا السرطانية لينة نسبياً مقارنة بالخلايا السليمة من نفس النوع وهو ما يفسر التحول في خصائص الحركة وزيادة قدرتها على الاجتياح والغزو .. 

فالخلايا السرطانية بارعة دوناً عن غيرها من الخلايا في استعمار الأنسجة الخارجية، عن طريق تغيير الهيكل والخصائص الفيزيائية للعضو والجهاز المغلوب على أمره وتجنيد خلاياه السليمة ، وأشارت نتائج بعض الأبحاث إلى احتمال أن تكون لإشارات كيميائية دخل في تمهيد الطريق للخلايا المستعمرة .. والتي لا ينظمها عمل الجينات فقط بل أيضاً الخصائص الفيزيائية لبيئتها. 

وخلاصة القول أننا قد لا نحتاج إلى دراسة وتمحيص التفاصيل المعقد للخلية السرطانية وقد يكون مفتاح اللغز أمراً في غاية البساطة ، أمام أعيننا طوال الوقت .. كإيجاد السبيل للتحكم في سلوكها العام ، فعلى الرغم من وحشية الغزو السرطاني إلا أن بعض الخلايا السرطانية تتوقف عن التسبب في المتاعب بلا سبب واضح حتى الآن .. كما أنها تستجيب للعديد من المتغيرات الفيزيائية كدرجة الحرارة و المجالات الكهربائية والضغط، ودرجة الحموضة وتركيز الأكسجين. 

كل هذه المتغيرات قد توفر فرصة ذهبية لإعاقة الغزو وفرض السيطرة على الخلايا السرطانية على نطاق واسع .. قليل من الأطباء تبنى هذا الفكر وحاول بعضهم تجربة طرق جديدة غير تقليدية في العلاج كوضع المريض تحت تأثير ضغط عالي من غاز الأكسجين النقي في غرفة .. وهو ما قد يؤثر على أيض خلايا السرطان ويحد من انتشارها. 

المراهنة على العمل الجماعي وتبني وجهات النظر المختلفة سفينة مزركشة لا تغرق أبداً .. من يدري قد يساهم تلامذة أينشتاين ونيوتن في إنهاء كابوس واحد من أكثر الأمراض بأساً على الإطلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق